الجفاء يورث الفرقة ..
صفحة 1 من اصل 1
الجفاء يورث الفرقة ..
إن
الجفاء صفة ذميمة و مظهر من مظاهر سوء الخلق، يورث التفرق و الوحشة بين
الناس و يقطع ما أمر الله به أن يوصل، فكم من بيت تخرب و أسرة تهدمت بسببه،
و كم من جفوة و نفرة بين الأحبة حدثت بسبب غلظة الطبع و الخرق في المعاملة
و ترك الرفق في الأمور، والجفاء قد يكون طبعا و قد يكون تطبعا و كلاهما
سيئ، و المؤمن الحق يتدارك نفسه بالبعد عن أسبابه و صوره، و في الحديث: "من
بدا جفا". (رواه أحمد و الترمذي و قال حسن صحيح)، أي من سكن البادية غلظ
طبعه، والإنسان ابن بيئته - كما يقولون - فالجفاء يزيد في أهل المغرب عن
أهل المشرق، و في أهل البادية و رعاة الإبل عن غيرهم، و عن ابن مسعود-رضي
الله عنه- أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " الإيمان ها هنا- و أشار إلى
اليمن- و الجفاء و غلظ القلوب في القدّادين ( المكثرون من الإبل) عند أصول أذناب الإبل من حيث يطلع قرنا الشيطان ربيعه و مضر". (رواه البخاري و مسلم).
وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "
الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، و البذاء من الجفاء و الجفاء في
النار". (رواه الترمذي و ابن ماجة، و قال: حسن صحيح).
لكل شيء من اسمه نصيب
لقد لوحظ التناسب الواضح بين الأسماء و المسميات و بين الإنسان و الكون من
حوله، و بينه و بين طبيعة مهنته، فطبيب الأطفال قد يفترق عن طبيب الجراحة، و
طبع الجند و العسكر قد يختلف عن غيرهم، و ليس لأحد أن يبرر جفاءه متعللا
بطبيعة النشأة و البيئة أو الصنعة، فقديما قالوا: ما عُصِيَ الله إلا
بالتأويل.
القرآن يذم الجفاء
و قد وردت النصوص تذم الجفاء و تنفر منه، قال تعالى: ( فبما رحمة من الله لنت لهم و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)
(آل عمران:159). و قال سبحانه: ( فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا و لكن قست
قلوبهم و زين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) (الأنعام:43). وقال: ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين) ( الزمر:22).
و قال جل و علا: ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع
قلوبهم لذكر الله و ما نزل من الحق و لا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل
فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم و كثير منهم فاسقون) (الحديد:16).
والسنة تنهى عن الجفاء
وكما ورد ذم الجفاء في القرآن الكريم فقد ورد النهي عنه في السنة المطهرة ،
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم: " إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم و حامل القرآن غير
الغالي فيه و الجافي عنه و إكرام ذي السلطان المقسط". (رواه أبو داود وحسنه
الألباني). وقد ورد في أخبار الساعة: "وإذا كانت العُراة الحُفاة الجُفاة
رؤوس الناس فذاك من أشراطها...". ( الحديث ، رواه أحمد و البخاري و مسلم)،
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم: " قال أبغض الرجال
إلى الله الألد الخصم". (رواه البخاري و مسلم). و الألد الخصم هو الذي يفجر
في خصومته، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: " لا تهجّروا( أي لا تتكلموا بالكلام القبيح) و لا تدابروا، ولا تجسسوا، و لا بيع بعضكم على بيع بعض، و كونوا عباد الله إخوانا". (رواه مسلم).
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:
" لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاثِ ليالٍ ، يلتقيان فيُعْرِضُ هذا و
يُعْرِضُ هذا ، و خيرُهُما الذي يبدأ بالسلام". (رواه البخاري و مسلم) وهذا
الذي نهى عنه النبي
لا شك مظهر من مظاهر الجفاء. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم: " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر
فمات دخل النار". (رواه أبو داوود و صححه الألباني) .عن أبي خراش السلمي
رضي الله عنه ـ أنه سمع رسول الله يقول : " من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه ". (رواه أبو داوود وصححه الألباني).
وعن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " المؤمن مَأْلَفَةٌ (يعني يألف الناس ويألفونه)، و لا خير فيمن لا يألف و لا يؤلف". (رواه أحمد، و قال الألباني :صحيح على شرط مسلم).
وبالجملة فالجفاء و الغلظة يبغضها الله عز وجل والملائكة والناس أجمعون،
وعلى المؤمن أن يتخلى عن العنف والقسوة والعبوس والطيش وسوء المعاملة وعقوق
الوالدين وسوء الظن، و أن يتحلى بمعاني الرفق و الرحمة والبر والعطف و
الحلم، فالتخلية قبل التحلية، و أن يجاهد نفسه في التباعد عن أسباب العنف و
صوره، قال تعالى (قد أفلح من زكاها و قد خاب من دساها) و قال: ( و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و إن الله لمع المحسنين)
و على العبد أن يجأر إلى الله بالدعاء عساه يرزقه حسن التأسي بنبيه صلى
الله عليه و سلم فقد كان ألين الناس ضحاكا بساما يصل الرحم ويحمل الكل و
يكسب المعدوم و يقري الضيف و يعين على نوائب الحق، و من كان كذلك لا يخزيه
الله أبدا كما قالت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها.
هيا بنا نتخلق بأخلاق المؤمنين، فالمؤمن هين لين سهل ذلول منقاد للحق يألف و
يؤلف و لا خير في الجافي الغليظ الذي لا يألف و لا يؤلف.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
صعبة المنال- مديره عامه
- عدد المساهمات : 1014
نقاط : 46383
تاريخ التسجيل : 13/05/2012
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى